كيف لا؟! وسعر ساعة الدرس الخصوصي في تصاعد مسعور حيث تحولت الدروس الخصوصية في الكثير من الأحيان إلى جزء أساسي من الأجواء التي يحاول الأهالي تأمينها لأولادهم، استعداداً للامتحانات.
ومع اقتراب امتحانات الشهادتين العامة والثانوية، بدأ الأساتذة برفع أسعار الدروس بالحجج المعتادة، “الدولار غالي والعيشة غالية”، فالحد الأدنى للدرس يبدأ من 1000 ليرة، ليرتفع وفقاً لخبرة الأستاذ وقدمه وسمعته، حتى أنه يصل إلى أكثر من 8000 ليرة في بعض الأحيان!!
حجج الطلاب: الأساتذة لا يعطون بضمير!!
في استطلاع للرأي عن الدروس الخصوصية ومدى حاجة الطلاب لها، تقول نور طالبة بكالوريا أدبي:” نحن كطلاب نضطر للدرس الخصوصي، خاصةً بالنسبة للمواد العلمية، لأن الأساتذة لا يعطون بضمير خلال الحصة، ليجبروا الطالب بطريقة غير مباشرة، على أخذ دروس خصوصية عندهم، فالمناهج صعبة، والكادر التدريسي ليس بنفس السوية والتأهيل، والبعض الجيد إما تسرب أو سافر أو استشهد، وأعداد طلاب المدارس المهجرين زاد من كثافة الشعبة التي اكتظت بأكثر من 60 طالبا، فإن أسرة من 12فرداً ،هل يحظى الفرد فيها بنفس الرعاية والاهتمام التي يحظى بها الفرد في أسرة مكونة من ثلاثة أفراد ؟!
فيما يرى أحمد الطالب في الصف التاسع، أن الأساتذة القدماء يصلون في بعض الأحيان إلى مرحلة من الملل نتيجة إعادة المناهج نفسه كل سنة، الأمر الذي يجعلهم يقدمون المعلومة بطريقة مملة، فإن مناهج الرياضيات والفيزياء والكيمياء مرعبة، والحصة الدراسية لا تكفي لحل التمارين والمسائل، فيختل التوازن بين النظري والعملي، ما يضطر الطالب لاستعادة هذا التوازن بالدرس الخصوصي”.
ومن جهته يقول عامر طالب بكالوريا علمي: ” نلجأ للدروس الخصوصية طمعا بالمجموع الأعلى، فقد خيبت المفاضلة الجامعية آمال العديد من الطلاب الذين سبقونا، وكانت المنافسة على أشدها بينهم على أجزاء العلامة الواحدة، ما أطاح برغبة بعضهم الأولى في الدراسة بكلية الطب أو الهندسة”.
جمع الرؤوس في درس جماعي يضاعف الأجرة
تقول أم هبة أن معلمة ابنتها الخصوصية تقوم بجمع الرؤوس في غرفة واحدة لتعطي درساً جماعياً لأكثر من 7 طلاب حيث تزعم أنها ترحم ذوي الدخل المحدود وذلك بمراعاتهم في الأجرة بنسبة بسيطة، لكن عملياً فهي تأخذ في الساعة أضعافاً مضاعفة.
وتدفع أم هبة لمعلمة ابنتها 1500 ليرة لقاء ساعة تدريس واحدة، ومع عملية الدرس الجماعي لسبعة طلاب تتقاضى المعلمة 10500 ليرة من الطلاب أجرة ساعة واحدة.
الساعة الواحدة بـ 8000 ليرة !!
إن أجور الدروس الخصوصية تختلف حسب قدم الأستاذ وخبرته وتبدأ من 1000 ليرة، لتصل إلى 8000 ليرة، فالمدرس الذي لايزال طالباً جامعياً يتقاضى أجراً يتراوح ما بين 1000 إلى 2000 ليرة، أما المدرس حديث التخرج الذي لا يمتلك الخبرة بعد فيتقاضى 2000 إلى 3000 ليرة، وبالنسبة للمدرسين المخضرمين فيتقاضون ما لا يقل عن 5000 ليرة سورية أجرة الساعة التدريسية الواحدة.
ومن ناحية أخرى تختلف أجور الدروس باختلاف المرحلة الدراسية للطالب، فأسعار دروس طلاب الصفوف الابتدائية تختلف عن أسعار طلاب الصفوف الإعدادية والثانوية التي تختلف بدورها عن طلاب الشهادات.
أيضاً يختلف سعر درس التربية الإسلامية عن سعر درس اللغة العربية أو الإنكليزية عن سعر درس الرياضيات، وتتربع المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء للشهادات الإعدادية والثانوية على عرش قائمة أغلى الأسعار.
اتهامات متبادلة والمدرسون يدافعون
عند سؤال العديد من الأساتذة، عن سبب لجوئهم إلى الدروس الخصوصية، كان الجواب أن مناحي المعيشة بكافة جوانبها أصبحت غالية، ومتوسط راتب المدرس في القطاع الحكومي والخاص 30 ألف ليرة، وهو لا يكفي لشيء في ظل موجة الغلاء، إضافةً إلى انخفاض الليرة أمام الدولار.
تقول سهير، التي تعمل مدرسة في مرحلة التعليم الأساسي: “والدي متقاعد وأخوتي في المدارس، وراتب والدي لا يكفي ثمن طعام، ونحن مهجرون ونسكن بالأجرة، لذلك لم يكن لدي خيار إلا ركوب الموجة، وإعطاء الدروس الخصوصية “.
المدرسة ندى تقول: “نسبة استيعاب الطالب قلت عما كانت سابقاً بسبب وسائل الترفيه المتزايدة وبعض المدرسين يتعمدونها قصداً ولا يعطون كل ما عندهم طمعاً في استجرار الطلاب للدروس الخصوصية”.
فارس الذي يعمل مدرساً للغة الفرنسية يقول: “أحيانا الطلاب يلعبون دوراً تحريضياً على الدرس الخصوصي وذلك من باب التفاخر والتمايز الاجتماعي فيما بينهم، حيث أن بعض الطالبات الموسرات يتفاخرن فيما بينهن بأسماء الأساتذة الذين يتلقين عندهم الدرس الخصوصي كما يتفاخرن بغلاء أسعار الساعة عند أساتذتهن، وكأن هذا النمط من الدروس صار جزءاً من (البريستيج) الاجتماعي.
المعاهد الخاصة ليس بأحسن حال
في جولة استطلاعية على عدد من المعاهد الخاصة لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، تبين فيها أن تكلفة الاشتراك في الدورة المكثفة التي تسبق الامتحان تتجاوز 100 ألف ليرة سورية للصف التاسع، و130 ألف للبكالوريا.
سميرة موظفة في أحد البنوك، تؤكد: ” لدي ابن سيتقدم هذا العام لامتحان البكلوريا، ورصدت مبلغ 100 ألف ليرة خلال الشهر الذي يسبق الامتحان، كتكلفة للدورة المكثفة في أحد المعاهد”.
وتشير سميرة، إلى أن مبلغ 100 ألف ليرة ليس بالكثير، طالما أن ولدها يستفيد، لافتةً إلى أن دفع هذا المبلغ أفضل من دفع أقساط في الجامعات الخاصة، والتي يمكن أن تصل لأكثر من مليوني ليرة سنوياً.
عن أسباب انتشار هذه الظاهرة
في البحث عن أسبابها تبدو غير واضحة وأحياناً متشابكة ومعقدة لا أحد قادر على تحديدها أو تبريرها ورغم أن هناك تعميمات متعاقبة تصدر بين فترة وأخرى تؤكد على منعها فهي لا تزال تنتشر وتزداد بكثرة وبعشوائية مع انعدام لأية آلية رقابية عليها ودون أية ضوابط لها لدرجة أننا سلمنا بوجودها مجبرين لا مخيرين، فهل هي نتيجة لنقص وخلل في واجب المعلمين والمدرسين وتقصير من المدارس أم لضعف المستوى المعرفي للطلاب أم لثقافة أسرية معينة تفرض على أبنائها تحديد مستقبلهم سواء كانت النتيجة فشلاً أم نجاحاً وما يرافق ذلك في ارتفاع لمعدلات القبول الجامعي إضافة لصعوبة المناهج وكثافتها أو ربما جميع الأسباب السابقة مجتمعة جعلتها واقعاً لا مفر منه.
وزارة التربية تبرئ نفسها
من جهتها نفت وزارة التربية التهم الموجهة إليها بهذا الشأن فقالت في تصريحات سابقة أن من يضع الحق على الوزارة لوحدها في تسببها بالدروس الخصوصية يظلمها، فهناك أسباب أخرى لهذه الظاهرة منها القبول الجامعي والاتجاهات الاجتماعية والوراثة المهنية وهي مهمة في أحيان كثيرة كما أن النظام التربوي في سورية يعاني من ضغط كبير وخاصة لطلبات تتعلق بأن تكون مخرجات هذا النظام بمعظمها تحصل على علامات عالية وهذا الأمر غير ممكن في أي نظام تربوي في العالم، مع ذلك وبالمقارنة مع أنظمة أخرى فإن الطالب السوري في مقدمة الطلبة العرب ومخرجات نظامنا في المقدمة.
يجب القول إنه يحق لأي معلم تحسين وضعه المادي في أن يعطي درساً خاصاً وأفضل له من أن يقوم بأي عمل آخر لا يليق به لهذا الهدف لكن الغريب أن هذه الظاهرة في ازدياد غير معقول وترافقها فوضى في تحديد أسعار الحصص الدراسية وما يترتب عليها من نتائج قد تنعكس سلباً على إعطاء المدرس وتفرض اتكالية واضحة للطالب عليها، فالدروس الخصوصية بما فيها دورات المعاهد الخاصة بأسبابها الكثيرة التي أدت لانتشارها بهذه السرعة أصبحت واقعاً مفروضاً ولن تستطيع أي إجراءات منعها وهي لم تعد لفئة من الطلاب دون أخرى بل تصل عدواها لشرائح أوسع لدرجة تثقل فيها الجانب المادي لأوساط محدودة الدخل ومع ذلك يقبلون عليها حتى ولو كانت على حساب متطلبات معيشية أخرى.
المصدر:بزنس2بزنس